أخذت أجول في صفحات الانترنت بحثاً عن آراء و نقد بنّاء حول هذا الفيلم ، ولكني لم أجد إلا التجريح المستمر في هذا الفيلم ، الذي أقل ما يمكن قولي عنه أنه فيلم يسجل للتاريخ مدى بشاعة السياسة الاسرائلية و السياسة الأمريكية أو بمعنى أصح سياسة " بابا بوش" كما وصفها محمود عبد العزيز .
لن يكون هذا الموضوع نقد بقدر ما سيكون مدونة لملاحظاتي على الفيلم بجيدها و سيئها ، و سأحاول في هذا الموضوع طرح أصغر التفاصيل في هذا الفيلم ، بوجهة نظر محادية بإذن الله تعالى ؛ و لذلك فأرجو ممن لم يشاهد الفيلم ألا يقرأ هذا الموضوع لأني سأحرق أدق التفاصيل و أحاول تحليل قدر ما استطيع مما حاول كاتب السيناريو عبد الحي أديب ، توصيله لنا من خلال هذا العمل " الفني " .
اعترض كثير من الناس على أن هذا الفيلم لم يوصل لنا أي جديد ، وقالوا أنه مجرد حديث ممل لمدة " ساعتين ونصف" نسمعه يومياً من كل محلل سياسي على جميع نشرات الأخبار ، أو حتى قنوات الأخبار المتخصصة ، بل أيضاً حاولوا أن يتهموا الديالوج في الحوار بين الشخصيات بأنه " عقيم " ؛ لكنهم لم يتصوروا أبداً أن الغاية من هذا الفيلم ليس تقديم فكرة جديدة لآفاق تفكير المشاهد ، وإنما الهدف الرئيسي الأول هو تصوير أرضية الواقع التي امتلئت بالدماء بشكل يكون واقعي أكثر منه فني ، و أما الهدف الرئيسي الثاني فهو تقديم مادة أو "material" من أحداث واقعية تساعدنا في الحوار مع أي أمريكي نقابله ، سواء إذا كان أميركي متعصب مثل روبرتو الذي كان سيقتل محمود عبدالعزيز و صديقه بسبب تعصبه ، أو حتى إذا كان عسكرياً مثل جميل راتب ، أو أمريكي محايد مثل ليلى علوي ، و مما خدم المخرج " التسجيلي " أن النص لم يكن يريد أن يخرج من الطابع " التسجيلي " فجاء الحوار صريح يمكّن كل عقل من أن يفهم ما يقال ، نعم ! إنه يريد أن يصل بتلك الأفكار إلى كل فئة ممكنة تشاهد الفيلم ، ويرتب كل أحداث الوحشية التي حصلت في العالم ، سواء كانت من الجانبين الاسرائلي والأمريكي أو حتى من الجانب العربي كما يزعم الأمريكان في أحداث 11/سبتمبر ابتداءً من نازية هتلر و فاشية موسليني و انتهاءً بسياسية بوش التي جعلت من دولته أكثر الدول المكروهة في العالم ، حتى أنه أتى بذكر اغتيال رئيس امريكا السابق جون كينيدي الذي لم يعلم أحد حتى الآن من له المصلحة في اغتياله رداً على أن أمريكا دولة مؤسسات وليست دولة أفراد ؛ أما عن البيبي دول نفسه و اسم الفيلم ، فليس كما يتصور البعض أنه مجرد مادة لجذب الشباب ، و إنما هو دلالة على أن العرب بسبب حرمانهم من الجنس طوال أيام حياتهم إلى أن يتزوجوا ، فإن الجنس يحتل المرتبة الأولى لدى المواطن العربي ، على الرغم من الأحداث السياسية المؤلمة والموجعة و الناثرة للدماء في جميع أنحاء الكرة الأرضية ؛ بينما على النقيض تماماً في الغرب فهم يهتمون بشكل رئيسي بالمظهر الاجتماعي ، و هذا ما كان جلياً لمن انتبه لحوار محمود عبدالعزيز مع الموظفة الأميركية ، أثناء رغبته بشراء شيء لزوجته ، فعرضت عليه أن يشتري لها " برفان " ، ولكنه رفض و أعجبته فكرة البيبي دول .
صراحة جارحة لكرامتنا العربية الأصيلة "
نور الشريف كنت دايما المع الممثلين في نظري مش عارف ايه لزمة اقذر مشهد في الفيلم مع احترامي بس كل الي داخلوا الفيلم شافوه ما احنا شفنا التغذيب خلاص و عارفينه في التلفزيون و كلنا تابعناه ليه المشهد ده كان مقزز الابعد الحدود "
تم اقتباس هذه الجملة من أحد المنتديات الموجودة على الانترنت ، بدون أي تعديل أو حتى تجميل ، كما هي تم وضعها ضمن هذا الموضوع ، لأكتشف أننا كعرب و بالرغم من أننا كرامتنا لها مكانة مهمة في قاموس حياتنا ، لكننا لا نرضى بالاعتراف بأننا " أخدنا على قفانا " من كل شعوب العالم المتقدمة ، لماذا ننكر هذه الحقيقة ، بل و نفرض أن نشاهدها ، ربما هي مقززة ، أجل ! لكن هذا هو الواقع الذي أراد الفيلم " التسجيلي " توضيحه ؛ و بالرغم من الكرامة مبدأ لنا إلا أنه مجرد ، شعار لا وجود له على أرض الواقع ، أو بمعنى أصح أختفى واندثر مع الآثار القديمة التي لا تقدر بثمن ، و هنا تقر ليلة علوي بكلام في سيناريو الفيلم قائلة على حسب ما أذكر ولسة هذه عبارة مقتبسة من الفيلم : ((المبادىء لازم تتنقذ على أرض الواقع ، و إلا ميبقاش أسمها مباديء ، يعني مينفعش أني أبقي بتكلم عن المساواة بين النس ، و أنا برفض أتكلم مع تلميذة لمجرد أنها سمرا أو عربية ، و لا أني أرفض اشترك في مسابقة لمجرد إن فيها طالب يهودي ))
[align=center] حقيفية لم يعلمها 99.5% ممن حضروا الفيلم :
غادة عبد الرازق شخصية حقيقية ، و هي رايتشل كوري ، أغفل الإعلام عنها ، و تم إضافة خبر موتها إلى سياق موت العشرات و المئات من الفلسطينين أسبوعياً ، و لم ينال هذا الموضوع حقه من الطرح في وسائل الإعلام ، و خاصة أن اليد التي اقترف ذلك الأثم الكبير ، هي يد (( اسرائيلية )) .
و قد قتلت غادة عبد الرازق أو رايتشل كوري عند محاولتها لمنع الجرافة الاسرائيلية من هدم إحدى البيوت الفلسطينية ، قائلةً له في أكثر الجمل تأثيراً في النفس ، بعدما حاول الجندي الاسرائيلي صرفها من أمام الدبابة في أحداث الفيلم أو الجرافة في الواقع : (( لأ ، مش ماشية من هنا ، أنت متجوز ؟؟ عندك أولاد ؟؟ عندك خطيبة ؟؟ إزاي ترضى على خطيبتك أو أولادك إنهم يتداسوا بالدبابة ؟ إذا غاب ضمير رئيسك فين ضميرك أنت ؟ )) و تقول له جملة من التوراة في محاولة بالمساس بالجانب الانساني لدى الجنود الاسرائليين : (( الانسان ضمير الله على الأرض ، فإن عطل ضميره عطل رسالة الرب )) ، فينسحب الجندي من أمامها راجعاً إلى مكانه خلف الدبابة ، و يظن الحشد الذي احتشد لمنع الجرافة من تهديم البيوت الفلسطينية ، أن ليلى خوري أو رايتشل كوري نجحت في محاولتها ، و لكن الدبابة الاسرائلية ، تقوم بدعسها في مشهد شديد الوحشية ، نعم ! شديد الوحشية ، و لماذا هذا الاعتراض ، على هذه المشاهد الصريحة ؟ أنرجوا نحن العرب أن ننسى وحشية ما فعلته اسرائيل بنا و أمريكا ؟ أم أردنا أن ننسى أننا فقد رجولتنا ، و لست أقصد معنى الرجولة في العلاقات الحميمة ، كما يتصورها نور الشريف في الفيلم قائلاً : (( أنا أتجوز ، أنت نسيت أنهم أخدوا رجولتي ؟؟ )) فيرد عليه جمال سليمان (( ما كلنا فقدنا رجولتنا لما شوفنا اللي بيحصلنا و سكتنا )) .